الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{إِنَّ هذا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} أي تقول لهم الملائكة: إن هذا ما كنتم تشكون فيه في الدنيا. اهـ.
فكأنه قيل: إن الزقوم طعام الأثيم.{كالمهل} عكر الزيت كما روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وجاء في حديث رواه الحاكم وغيره عن أبي سعيد مرفوعًا وفيه (فإذا قرب إلى وجهه يعني الجهنمي سقطت فروة وجهه) وربما يؤيد بقوله تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السماء كالمهل} [المعارج: 8] مع قوله سبحانه: {فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان} [الرحمن: 37] وقال بعض: عكر القطران، وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الصديد، ومنه ما في حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه ادفنوني في ثوبي هذين فإنما هما للمهل والتراب.وفي رواية أخرى عنه رضي الله تعالى عنه أنه ما أذيب من ذهب أوفضة أوحديد أو رصاص، وروي ذلك عن ابن مسعود، قيل: وسمي ذلك مهلًا لأنه يمهل في النار حتى يذوب فهو من المهل بمعنى السكون، وادعى بعضهم الاشتراك وقد جاء استعماله في كل ما سمعت، وقرأ الحسن {كالمهل} بفتح الميم وهو لغة فيه، والجار والمجرور أو الكاف في محل رفع خبر مبتدأ محذوف والجملة استئناف لبيان حال الطعام أي هو كالمهل أو مثل المهل، وقوله عز وجل: {يغلي في البطون} خبر ثان لذلك المبتدأ، وقيل: حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور فيكون وصفًا للطعام أيضًا؛ وقال أبو عبيد: هو حال من المهل، وقيل: صفة له لأن أل فيه للجنس نحوأمر على اللئيم يسبني ويعتبر داخلًا في التشبيه وأنت تعلم أن غليان الطعام في البطن فيه مبالغة أما التشبيه بمهل يغلي في البطن فلا، وقيل كالمهل أو الكاف خبر ثان لأن وجملة {يغلي في البطون} حال من الزقوم أو الطعام.وتعقب بأنه منع مجىء الحال من المضاف إليه في غير صور مخصوصة ليس هذا منها ومنع مجيئه من الخبر ومن المبتدأ.وأجيب بأن هذا بناءً على جواز مجىء الحال من الخبر ومن المبتدأ والمضاف إليه المبتدأ في حكمه وأن ما ذكر من الصور التي يجىء الحال فيها من المضاف إليه لأن المضاف كالجزء في جواز إسقاطه، ولا يخفى أنه بناءً على ضعيف، وقيل: كالمهل خبر ثان والجملة حال من ضمير الشجرة المستتر فيه، والتذكير باعتبار كونها طعام الأثيم أولاكتسابها إياه مما أضيفت إليه نظير ما سمعت في البيت آنفًا وهو تكلف مستغنى عنه، وقيل: الجملة على ذلك خبر مبتدأ محذوف هو ضمير الطعام أو الزقوم فإن كانت الجملة حينئذٍ مستأنفة فالبحث هين وإن كانت حالة عاد ما مر آنفًا ولا أراك تظنه هينًا، وقيل: كالمهل حال من طعام وحاله معلوم، وبالجملة الوجوه في إعراب الآية كثيرة وأنا أختار منها ما ذكرته أولا.وقرأ عمرو بن ميمون. وأبورزين. والأعرج. وأبو جعفر. وشيبة. وابن محيصن. وطلحة. والحسن في رواية. وأكثر السبعة {تغلي} بالتاء الفوقية فكالمهل خبر ثان لأن وجملة {تغلي} خبر ثالث واتحاد المبتدأ والخبر متكفل باتحاد القراءتين معنى فافهم ولا تغفل.{كَغَلْىِ الحميم} صفة مصدر محذوف أي غليًا كغلي الحميم، وجوز أن يكون حالًا، والحميم ما هو في غاية الحرارة.{خُذُوهُ} على إرادة القول والمقول له الزبانية أي ويقال لهم خذوه {فاعتلوه} فجروه بقهر.قال الراغب: العتل الأخذ بمجامع الشيء وجره بقهر، وبعضهم يعبر بالثوب بدل الشيء وليس ذاك بلازم والمدار على الجر مع الإمساك بعنف.وقال الأعمش ومجاهد: معنى {اعتلوه} اقصفون كما يقصف الحطب، والظاهر عليه التضمين أوتعلق الجار بخذوه، والمعنى الأول هو المشهور.وقرأ زيد بن علي. والحجازيان. وابن عامر. ويعقوب {خُذُوهُ فاعتلوه} بضم التاء وروي ذلك عن الحسن. وقتادة. والأعرج. على أنه من باب قعد، وعلى قراءة الجمهور من باب نصر وهما لغتان {إلى سَوَاء الجحيم} أي وسطه، وسمي سواء لاستواء بعد جميع أطرافه بالنسبة إليه.{ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم} كأن أصله صبوا فوق رأسه الحميم، ثم قيل: صبوا فوق رأسه عذابًا هو الحميم للمبالغة بجعل العذاب عين الحميم، وهو مترتب عليه ولجعله مصبوبًا كالمحسوس ثم أضيف العذاب إلى الحميم للتخفيف، وزيد {مِنْ} للدلالة على أن المصبوب بعض هذا النوع فهناك إما تمثيل أواستعارة تصريحية أو مكنية أوتخييلية.{ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} أي ويقال: أو قولوا له ذلك استهزاءً وتقريعًا على ما كان يزعمه.أخرج عبد الرزاق وغيره عن قتادة قال: لما نزلت {خُذُوهُ فاعتلوه إلى سُوء الجحيم} [الدخان: 47] قال أبو جهل: ما بين جبليها رجل أعز ولا أكرم مني، فقال الله تعالى: {ذُقْ} الخ.وأخرج الأموي في مغازيه عن عكرمة أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما تستطيع لي أنت ولا صاحبك من شيء لقد علمت أنني أمنع أهل بطحاء وأنا العزيز الكريم فقتله الله تعالى يوم بدر وأذله وعيره بكلمته {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} وروي أن اللعين قال يومًا: يا معشر قريش أخبروني ما أسمي فذكرت له ثلاثة أسماء عمر والجلاس وأبو الحكم فقال: ما أصبتم أسمي إلا أخبركم به؟ قالوا: بلى قال: اسمي العزيز الكريم فنزلت {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم} [الدخان: 43] الآيات، وهذا ونحوه لا يدل أيضًا على تخصيص حكم الآية به فكل أثيم يدعي دعواه كذلك يوم القيامة، وقيل: المعنى ذق إنك أنت العزيز في قومك الكريم عليهم فما أغنى ذلك عنك ولم يفدك شيئًا، والذوق مستعار للإدارك.وقرأ الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما على المنبر والكسائي {إِنَّكَ} بفتح الهمزة على معنى لأنك.{إِنَّ هَذَا} أي العذاب أو الأمر الذي أنتم فيه {مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} تشكون وتمارون فيه، وهذا ابتداء كلام منه عز وجل أو من مقول القول والجمع باعتبار المعنى لما سمعت أن المراد جنس الأثيم. اهـ.
|